فضل الدعوة إلى الله:
والدعوة إلى الله فضلها عظيم فهي مهمة الرسل والأنبياء، وهم أشرف الخلق وأكرمهم على الله، وهم الذين اختارهم الله لهداية البشر، والعلماء هم ورثة الأنبياء، وقيامهم بالدعوة أعظم تشريف لهم.. قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف:108).
ومن فضل الدعوة إلى الله أن [من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً] (رواه مسلم). والدعوة إلى الله هي التي من أجلها شرّف الله بها أمة الإسلام جميعاً فجعلها بذلك خير أمة أخرجت للناس، لأنها حملت رسالة الله إلى العالمين، وجاهدت بها كل الأمم فهم خير الناس للناس.
أهداف الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى:
* الأهداف العامة:
إرشاد الناس إلى صراط الله المستقيم، ودينه القويم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الجور والظلم إلى العدل والرحمة والإحسان.
والأدلة على هذا كثيرة جداً منها:
قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران:110).
وقوله تعالى:{وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} (المؤمنون:17).
وقوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم* صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض إلا إلى الله تصير الأمور} (الشورى:52-53).
وقوله تعالى: {ادع إلى ربك} (الحج:67).
وقال تعالى: {قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو} (الرعد:36)..
وقوله تعالى:{المر* كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} (إبراهيم:1-4).
وأمة الإسلام التي هي خير الأمم قد أخرجها الله لهذه الغاية فقال سبحانه وتعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آلعمران:110)..
ولم يشرع الجهاد بالكلمة والمال والسيف إلا لتحقيق هذه الغايات، وقد أجمل ربعي بن عامر رضي الله عنه مهمة أمة الإسلام في الجهاد، فقال عندما أرسله سعد بن أبي وقاص لرستم قائد الفرس، فقال له رستم: لماذا جئتم؟ فقال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. (البداية والنهاية 7/39).
أما المقصود من الدعوة والهدف منها:
فالمقصود والهدف الأعظم من الدعـوة هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور وإرشادهم إلى الحق حتى يأخذوا به وينجوا من النـار، وينجوا من غضب الله، وإخراج الكافر من ظلمة الكفر إلى النور والهدى، وإخراج الجاهل من ظلمة الجهل إلى نور العلم، والعاصي من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، هذا هو المقصود من الدعوة كما قال جل وعلا: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة:257).
فالرسل بعثوا ليخرجوا من شاء الله من الظلمات إلى النور، ودعاة الحـق كذلك يقومون بالدعوة وينشطون لها لإخراج من شاء الله من الظلمات إلى النور، ومن العذاب إلى المغفرة والجنة، ومن طاعة الشيطان، والهوى إلى طاعة الله ورسوله.
* الأهداف التفصيلية:
1) إيجاد الأمة الصالحة الداعية إلى الله المجاهدة في سبيله:
من أول أهداف الدعوة العمل لإخراج الأمة الصالحة التي تعبد الله سبحانه وتعالى. قال سبحانه وتعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (الجمعة:2)..
وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (آل عمران:164)..
وقال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} (الفتح:28).
والأمة الصالحة: هي مجموع الأفراد الصالحين المجتمعين على الهدى والصراط المستقيم.
2) إيجاد المؤمن الصالح:
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: [لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم] (متفق عليه).
وقوله صلى الله عليه وسلم: [يجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك.. الحديث] (رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع 8033).
فهداية مؤمن ولو واحد تحقيق لهدف عظيم من أهداف الرسالات.
3) إقامة الحجة لله على الجاحدين والكافرين:
والدليل على ذلك قوله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً* ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً* رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً} (النساء:163-165).
4) النهي عن الفساد في الأرض:
وذلك لقوله تعالى: {فلولا كان من القـرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم.. الآية} (هود:116).
والنهي عن الفساد في الأرض عصمة للجميع من عقوبة الله العاجلة في الدنيا كما قال تعالى: {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} (القصص:59)..
وكل ما نهى الله عنه فهو من الفساد في الأرض قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (النحل:90).. وكل الرسل الذين أرسلهم الله نهوا أقوامهم عن الفساد والطغيان بعد أمرهم إياهم بتوحيد الله وعبادته وطاعته.
* فنوح عليه السلام نهى قومه عن الشرك بالله، وعبادة الصالحين، وهو أعظم الفساد والشر ونهاهم عن صد المؤمنينعن سبيل الله، واحتقارهم وازدرائهم..
* وهود عليه السلام نهى قومه عن الطغيان، والعتو في الأرض بإهدار الأموال في العبث والضياع، كما قال تعالى:{أتبنون بكل ريع آية تعبثون* وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون} (الشعراء:27-28).
* وصالح عليه السلام أمر قومه بعبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما يعبد من دون الله ثم نهاهم عن الإفساد في الأرض بالصد عن سبيل الله، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة فقال لهم: {فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (الأعراف:74).. وقـال لهم: {أتتركون في ما ههنا آمنين* في جنات عيون* وزروع ونخل طلعها هضيم* وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين* فاتقوا الله وأطيعون* ولا تطيعوا أمر المسرفين* الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} (الشعراء:146-152).
* وشعيب عليه السلام نهى قومه بعد الشرك بالله قائلاً: {.. فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين* ولا تقعدوا بكل صراط توعدون، وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً} (الأعراف:85-86)..
ولذلك فإن سبب ما يحصل لأهل الأرض من فساد أحوالهم ودنياهم هو المعاصي، ولذا كان من أعظم أهداف الدعوة إزالة هذا السبب.
* ورسالة رسولنا الخاتمة جاءت بالأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر، والبعد عن كل فساد في الأرض حتى لو كان عدواناً على حرث أو زرع كما قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} (البقرة:204-205).
5) عمارة الأرض بالخير والعمل الصالح:
من أهداف الدعوة إلى الله عمارة الأرض بالخير، والعمل الصالح.. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} (الحج:77).. وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران:104)..
و(الخير): اسم جامع لكل نفع فالخلق الحسن خير، والبر والصلة والإحسان خير، وإعمار الأرض بالزرع النافع خير كما قال صلى الله عليه وسلم: [إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها] (رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في الجامع 1424).
ولا شك أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم قد استفاد منها كل العالمين حتى الذين لم يؤمنوا بالإسـلام كما قال سبحانه وتعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء:107) فإن تعاليم الإسلام التي جاءت بالفضيلة والإحسان، ونبذ الظلم، وإقامة العدل قد استفاد منها كثير من الأمم والشعوب، وإن لم تدخل في الإسلام، وقد أخذت كثير من دول العالم نظام الإسلام في المعاملات، فاستفادت بذلك فائدة دنيوية..
وقد جاء الإسلام برفع الظلم عن النساء، والعبيد، والضعفاء، فاستفاد الناس من ذلك، وجعل الإسلام حقوقاً للأسرى، ونظاماً في الحروب استفاد منه الكفار أيضاً.
فقد جاء الإسلام في وقت عم فيه الجهل والظلم، فغير نظرة الناس عمومهم نحو المرأة والعبد.. فأزال الفروق الجاهلية التي كان الناس يتفاضلون بها، ويقتتلون عليها كاللون، والوطن والأصل وأعلن في الناس جميعاً أنهم لآدم وآدم من تراب..
قـال تعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات:13).
وقد استفاد الناس من هذا التعاليم ولو بعد حين..
المصادر
بعض كتب الصالحين