لم يخلق الله تعالى الناس"صورا طبق الأصل" ولم يستنسخ طبائعهم من طبيعة واحدة مع أن أصلهم واحد : "كلكم من آدم وآدم من تراب" فقد ركب الله في كل نفس بشرية خصائصها وأودع في كل "طينة" إنسانية مقوماتها، وجعل هذه الفروق وسائل للتنافس وأدوات للتفاضل لمن يشغّلها ويوجهها ويؤدبها ويربيها ويصلح حالها ويسقيها بالعلم ويتعهدها بالمعرفة وينقيها من الضرر والضرار..
تماما كالأرض، منها مسطحة، ومقعرة، ومحدودبة، ومنها وهاد، وتلال، وجبال، ووديان، وسفوح..وكلها تنزل عليها الأمطار ولكنها مختلفة في أربعة :
- في الانتفاع بالغيث النازل بركة من السماء
- وفي تخزين الفائض منه لأيام القحط والجفاف
- وفي تغذية المزروعات وإخراج الثمرات
- وفي طعوم وألوان وأشكال..الفواكه والثمرات.
وكذلك الناس، كالتربة تماما، فمنهم أصفر، وأبيض، وأحمر، وأسود، ومنهم طويل وقصير ومربوع قدّ، ومنهم النشيط والكسول والمسترخي والنائم، ومنهم من يعمل على أن يمحو الكفر من الأرض كلها ويدخل الناس في دين الله أفواجا، ومنهم من يبحث فقط عن لقمة العيش.. والحياة في نظر البعض أرحام تدفع وأرض تبلع "وما يهلكنا إلاّ الدهر"، فبعض الناس همتهم في الثرى وبعضهم همتهم في الثريا..وشتان بين جيل راجح وجيل مرجوح !؟
ما الذي يصنع الفرق؟ ومن الذي يملك القدرة على أن يرجح؟
إنها الهمة التي يحدها حدان :
- حد القدرة على القفز فوق الحواجز مهما كانت شائكة وعالية ومعقدة..
- وحد الإرادة العازمة على فلّ الحديد بالحديد وكسر الصخر العاتي بالدوام والإصرار.
وبين القدرة العازمة والإرادة القادرة تُختصر كل المسافات التاريخية والمساحات الجغرافية وتسقط السدود والحدود والقيود..فيجد الإنسان نفسه حرَّا طليقا يعمل بعزيمة أولي العزم من الرسل وهو ليس نبيًّا ولكنه وريث الأنبياء (ع) له نفس رسالتهم ويحمل همهم ويتشبه بهم ويعمل على تحقيق أهدافهم : بالعلم، والعمل، والعدل..وبالمرحلية والواقعية والتدرج بشروط يجب أن تتوفر في كل صاحب همة عالية.
والعلم وحده كالمطر ينزل في كل الدنيا وقد يتحول إلى فيضانات مدمرة، ولكنه إذا وُضعت له سدود ومُهدت له قنوات صار أكثر نفعا للأرض وأوفر حظا للناس، وكذلك العلم يحتاج إلى أصحاب همم عالية وطموحات تتجاوز حدود الأكل والشرب والنوم والتناسل..وأصحاب الهمم العالية هم نجوم السماء للبشرية.
لذلك ندعو أبناءنا وبناتنا "في جيل الترجيح" أن يتسلحوا بالعلم وأن يوطنوا أنفسهم على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، وأن ينكبوا أكثر على دراسة سير العظماء ليصبح منهم السادة والقادة وأصحاب التأثير في التحولات الإستراتيجية.
إن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، بشرط أن تكون في الاتجاه الصحيح، وقد تابعت عن قرب خطواتكم الأولى وباركتها ورافقتكم لبعض الوقت فإذا أنتم أكثر حرصا على طلب العلم منا، وأقدر على فتح الممرات المغلقة منا، وإرادتكم تذكرني بالفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، ولكن بفرق النية الصادقة في الاستعداد للترجيح والإرادة المتوثبة للوصول إلى الهدف، إن شاء الله تعالى..