محمد بن احمد عضو فعال
عدد المساهمات : 28 تاريخ التسجيل : 03/01/2012
| موضوع: الفقارة وتطورها في ولاية ادرار الثلاثاء يناير 03, 2012 4:12 pm | |
| فهوم الفقـارة وتطورها تاريخيا
تتبوأ الفقارة منزلة كبيرة في حياة سكان إقليم توات بخاصة ، وفي حياة سكان الواحات حيت توجد بعامة ، فهي إحدى أهم المرتكزات التي قامت عليها حياة تلك المجموعة البشرية ابتداءً، ثم حازت -مع مرور الأيام- أهمية اجتماعية واقتصادية حتى حق لها أن توصف بأنها ''محور النظام الواحيّ ''
وقد جازت الفقارة مراحل عديدة منذ نشأتها حتى يوم الناس هذا ، مما يجعل محاولة تعرف هذه المراحل ، والوقوف على مفهوم هذا التراث الحضاري -قبل ذلك- أمرا ذا بال .
تعريف الفقارة
نحاول خلال هذا الفصل أن نعطي التعريفات التي وقفنا عليها والخاصة بالفقارة كوسيلة تقليدية من وسائل السقي.
التعريف اللغوي
حاول الباحثون في إقليم توات إيجاد الأصل اللغوي الذي اشتقت منه كلمة ''فقارة'' ، وهذا بعض ما توصل إليه حيال ذلك :
أ-جاء في دليل ولاية أدرار أن الفقارة مشتقة من ''الفقر''، وهذا الرأي قد يكون صحيحا إذا نظرنا إلى الحال التي قد يؤول إليها المهتمون بالفقارة وشؤونها من الفقر والعوز وقلة ذات اليد ، وذلك أنهم ينفقون في ذلك كثيرا من الجهود والأوقات والأموال، ثم لا يكادون يجنون من ذلك كله إلا القليل الهزيل مما لا غناء فيه .
ب-وينقل ذات المصدر رأيا آخر فحواه أن اشتقاق الكلمة من الفقارات أي فقاقير الظهر ، لأن آبار الفقارة تشبهها .
ولهذا الرأي وجه واضح من الصواب ، غير أننا حين عدنا إلى بعض كتب اللغة لم نجد جمع ''الفقرة'' على غير الصيغتين المذكورتين؛ فقد جاء في مختار القاموس : '' والفِقرة -بالكسر-والفَقرة والفَقارة -بفتحهما-: ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العَجْبِ ج فِقَر وفِقار ..''
ج- وهناك رأي ثالث ذكره الدليل ، ومحصلـه اشتقاق الكلمة من التفجير ، لأن الماء يتفجر من الآبار المحفورة.
والذي يبدو لنا أن هذا التخريج أرجح التخريجات المذكورة ، وذلك أن العرب يقولون في كلامهم : انفجر الماء وتفجر : سال ، وفَجَره هو وفجّره أي أساله.
(حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا )وقد قرئ قوله تعالى : بالتشديد والتخفيف في الفعل ''تفجر'' ، وقد احتج ابن خالويه للقرائتين بقوله : '' . كما قال :(تفجيــرا)فالحجة لمن شدّد : أنه أخذه من فجَّر يفجِّر،ودليله قوله : والحجة لمن خفف : أنه أخذه من فَجَر يَفْجُر : إذا شق(وكلم الله موسى تكليما) الأنهار وأجرى فيها الماء ''
وبناء على هذا الرأي يكون أصل كلمة ''الفقارة'' : الفجارة بالجيم من فجر يفجر فجراً، أو فجر يفجر تفجيراً، ويقال : مفاجر الوادي أي روافده المائية، وهذا لا يمنع من القول بأن الجيم تحولت بالاستعمال العامي إلى قاف مثلثة ، فأصبحت ''الفجارة'' ''فقارة'' بالقاف المثلثة .
تلك أهم التخريجات اللغوية التي وقفنا عليها فيما عثرنا عليه ممّا كتب حول أصل كلمة '' فقارة '' .
هذا، وقد حاولنا استكناه مصدر اشتقاق الكلمة من أفواه ذوي الخبرة والمعرفة بهذا الأمر من خلال المقابلات التي حاورناهم فيها ولكنَّا لم نرجع منها بأكثر مما نقلنا آنفا، وربما كان سبب ذلك أنه لم يكن من شأنهم أن يهتموا بمثل هذه التأصيلات التي هي ألصق بالعمل الأكاديمي المدقق منها بالعمل الاجتماعي العفوي .
وإذا كنا قد رجحنا الرأي القائل بأن الفقارة مشتقة من التفجير ، أو الفجر بمعنى الشق والحفر ، فإننا قد بنينا ذلك على أساس توافر هذا المعنى بصورة واضحة وحقيقية في ما تطلق عليه كلمة ''الفقارة''.
التعريف الاصطلاحي
اختلفت العبارات التي توخت إلى إعطاء تعريف اصطلاحي للفقارة بعض الاختلاف من حيث ألفاظها ، بيد أن مؤداها ومضمونها -عند التأمل-واحد ، وهذا منطقي جدا ، إذ أن جميعها يقصد إلى تحديد مفهوم واحد .
فمن أهم التعريفات الاصطلاحية للفقارة- تعريف الدكتور الأستاذ فرج محمود فرج الذي يقول فيه : ''الفقارة تتشكل من مجموعة من الآبار التي تبدأ من نقطة مرتفعة تتجمع بها المياه الجوفية وتسير مياه هذه الآبار في مجرى ذي فوهات لمسافات بعيدة حيث تنحدر ببطء عن طريق الانحدار التدريجي لهذا المجرى ، وينتهي المجرى بحوض كبير تتجمع فيه المياه يسمى (ماجن) ومنه تخرج القنوات تحمل المياه إلى بساتين أصحاب الفقارة، كل حسب نصيبه''.
ويمكن لنا أن نلاحظ على هذا التعريف -إلى أهميته-أمرين :
أ-الطول النسبي ، وهو أمر غير مستحسن في التحديدات العلمية التي تتطلب الدقة والإيجاز.
ب-إدخال ما ليس متضمَّنا في مفهوم الفقارة ، وهو الحوض الذي يسمى ''ماجنا'' ، إذ هو داخل في مفهوم البستان لا الفقارة .
أما الأستاذ بختاوي الحاج محمد فقد حدَّ الفقارة بأنها : '' عبارة عن سلسلة من الآبار المترابطة يشرع فيها من جهة عالية نازلين بها إلى أن يصير الماء جاريا على وجه الأرض ''.
وهذا التعريف يمتاز بعبارته الدقيقة الموجزة ، ولكن هذه العبارة ذاتها قاصرة ، إذ إنها تجعل نهاية الفقارة عندما يصير الماء جاريا على وجه الأرض ، غير أن مفهوم الفقارة يشمل كذلك ما يسمى ''القسرية'' وهي مكان توزيع الماء على البساتين على وجه عادل.
وجاء في دليل ولاية أدرار الذي أعدته جمعية الأبحاث والدراسات التاريخية بالولاية - أن الفقارة '' عبارة عن سلسلة من الآبار يتصل بعضها ببعض ، وتنحدر مياهها من مستوى أرضي عال إلى مستوى منخفض يشرف على تربة صالحة للزراعة فيجري عليها منسوب ماء الفقارة '' .
ويبدو هذا التعريف أدق تعبيرا وأوجز عبارة بالقياس إلى التعريفات السابقة ، ولقد رجحه أيضا الأستاذ نيكلو عبد القادر الباحث المتخصص في هذا المجال .
وورد في الباب الأول من المشروع التمهيدي لقانون الفقارة- تعريفها بأنها:''تراث حضاري ثقافي اجتماعي اقتصادي متكامل توارثته أجيال متعاقبة لعشرات القرون كمصدر للرزق لسكان المنطقة '' .
والواقع أن هذا الكلام لا يعد تعريفا للفقارة، ولكنه بيان لأهميتها ذات الأبعاد والمظاهر المختلفة، والتي قد تشترك فيها مرتكزات أخرى للحياة في إقليم توات مع الفقارة.
ولكنا نجد المشروع يقول بعد هذا مباشرة:''تظهرالفقارة للعيان في شكل سلسلة آبار متصلة ببعضها في الأعماق تجري مياهها في اتجاه واحات النخيل من الشمال إلى الجنوب في الغالب'' .
وهذه العبارة أنسب للتعريف من العبارة السابقة - كما هو واضح-.
والنتيجة التي يخلص إليها الباحث من عرض هذه التعريفات المختلفة هي أن الفقارة وسيلة تقليدية لسقي الأراضي الزراعية أساسا ، كما أنها كانت -إلى وقت قريب- وسيلة للتزود بماء الشرب وحاجات حيوية أخرى لسكان المنطقة.
وهي بذلك تمثل وإلى عـهـد قـريب أهـم المصادر المائـية التي تعرفها المنطقة .
إن الوقوف على المعاني والمفاهيم المختلفة للفقارة، من شأنه أن ييسر هضم ما سنبسطه من معطيات تاريخية واجتماعية واقتصادية عنها في صميم المباحث الموالية .
تاريخ ظهور الفقارة بالمنطقة وتطورها
تمهيد :
إن الإنسان قد ارتـبط منذ وجوده على الأرض ارتباطا وثيقا بالماء وبأماكـن وجـوده، نظرا لكونه قوام الحياة وجعلنا من الماء كل شيء حي)والأحياء، وهو ما قرره الخالق بجلاء في كتابه: (
وتتـميز المناطـق الجافة وشبه الجافة بقلة وجود الماء على وجه الأرض ، وتلك القلة تتبخر بشكل كبير، وهو الأمر الذي جعل الإنسان في هذه المناطق يبحث عن الماء في باطن الأرض .
وإذا كانت هذه المناطق تشهد تعميرا سكانيا كبيرا، فإن سقوط الأمطار بها يكاد يكون منعدما بالإضافة إلى الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة، خصوصا في فصل الصيف، فكان على الإنسان وحتى يستطيع العيش في تلك الظروف ويقاوم تلك العوامل الصعبة أن يستعمل ذكاءه للتغلب على قساوة الطبيعة وتوفير المادة الحية للحياة ألا وهي الماء.
إن الواحات التي تتشكل من المجمعات السكانية في وسط المناطق (الجافة وشبه الجافة)- لا تكون بها الحياة إلا بتوفير أحد مصادر المياه التالية :
1-بحيرات .
2-آبار ارتوازية (الينابيع) .
3-الفقارة .
وسنتطرق بالدراسة والتحليل للمصدر الثالث من هذه المصادر، وهو نظام الفقارة، من حيث تاريخ ظهورها في المنطقة وكيف كان ذلك والخصائص الفنية والتطورات التي عرفتها، ولكن لا بأس أن نذكر بالنظامين الأول والثاني، وكيف استعملا قديما مصادر للمياه، ووسيلتين لتكوين مجمعات سكانية داخل الصحراء.
1-البحيرات مصدرا للمياه:
كثير من الباحثين ذهب إلى أن الصحراء كانت في القديم خضراء، وكان يوجد بها عدد كبير من البحيرات، ويسلكها أو يمر بها عدد كبير من الأودية وما وجود الحوض المائي الباطني المعروف الآن بالحوض المائي الجوفي الألبي (الكونتينانتال انتركالير) (le continental intercalaire) الذي يمكن أن نطلق عليه محيط جوفي (Océan Souterrain ) إلا دليل على ذلك.
والغابة المتحجرة الموجودة في منطقة تيديكلت، وكثير من النقوش المتحجرة لحيوانات بحرية والمتواجدة بكثرة في منطقة توات وتيديكلت، كلها شواهد على أن المنطقة كانت بها جنات وأنهار، مثلت مراكز لإقامة تجمعات سكانية، كما مكنت من تكوين فلاحة على ضفافها.
2-الينابيع:
مـع تقدم المناخ الصحراوي والرمال نحو المناطق التي كانت بها بحيرات ، أصبح المناخ أكثر فأكثر جافا فبدأ ماء البحيرات ينفد، مما دفع بالسكان إلى التوجــه نحـو إنجاز حفـر داخل تلك البحيرات ، لتتبع أثر الماء ، فتكونت آبار ارتوازية أو ينابيع تسمح للماء بالانسكاب على وجه الأرض، فيستغله الناس في أغراضهم المختلفة (الشرب،الفلاحة،..).
3-الفقارة :
ومن نافلة القول الإشارة إلى أن المصدرين السابقين لم يفيا بالغرض المطلوب، ولذلك ومن أجل تلبية الحاجات المتزايدة من الماء، والكفاح المستمر ضد الجفاف والتبخر الكبير في المناطق الصحراوية، كان من الضروري إيجاد طريقة أخرى لجلب المياه وتوفيرها بكمية كافية، وذلك بعد أن قل منسوب تلك الينابيع والآبار الارتوازية حيث أصبحت أكثر عمقا.
وقد بدأ الإنسان تحقيقا لذلك يستنجد بحوض الماء الجوفي الألبي، وبعملية جعل الماء يصعد من مستوى أكثر عمقا في الأرض إلى سطح الأرض وبطريقة تدخل فيها الجاذبية الأرضية فقط أحدث نظام الفقارة . | |
|