إن السلام سنة قديمة منذ عهد آدم - عليه السلام - إلى قيام الساعة، وهي تحية أهل الجنة وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ [يونس:10] وهي من سنن الأنبياء، وطبع الأتقياء، وديدن الأصفياء وفي هذه الأيام أصبح بين المسلمين وحشة ظاهرة وفرقة واضحة! فترى أحدهم يمر بجوار أخيه المسلم ولا يلقي عليه تحية الإسلام. والبعض يلقي السلام على من يعرف فقط، وآخرون يتعجبون أن يلقى عليهم السلام من أُناس لا يعرفونهم! حتى استنكر أحدهم من ألقى إليه السلام وقال متسائلاً: هل تعرفني؟!
وهذا كله من مخالفة أمر الرسول حتى تباعدت القلوب، وكثرت الجفوة، وزادت الفرقة. يقول : { لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم } [رواه مسلم].
وفي الحديث المتفق عليه أن رجلاً سأل رسول الله : أي الإسلام خير؟ قال: { تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف }.
وفي هذا حثّ على إشاعة السلام بين المسلمين، وأنه ليس مقتصراً على معارفك وأصحابك فحسب! بل للمسلمين جميعاً.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يغدو إلى السوق ويقول: ( إنما نغدو من أجل السلام، فنسلم على من لقيناه ).
والسلام يدل على تواضع المسلم ومحبته لغيره، وينبئ عن نزاهة قلبه من الحسد والحقد والبغض والكبر والاحتقار، وهو من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، ومن أسباب حصول التعارف والألفة وزيادة المودة والمحبة، وهو من أسباب تحصيل الحسنات ودخول الجنات، وفي إشاعته إحياء لسنة المصطفى .
قال عليه الصلاة والسلام: { خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، وإتباع الجنائز } [رواه مسلم].
والواجب على من ألقي عليه السلام أن يرد امتثالاً لأمر الرسول ، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: { إياكم والجلوس في الطرقات } فقالوا: يا رسول الله: ما لنا من مجالسنا بدّ نتحدث فيها، فقال: { إذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه } قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: { غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } [متفق عليه].
قال الإمام النووي رحمه الله: ( واعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب، وإن كان المُسلم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم، وإذا سلم بعضهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلم عليه واحد تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام وأن يرد الجميع ).
صيغ السلام:
قال النووي: ( وأفضل السلام أن يقول: ( السلام عليكم ) فإن كان المُسلم عليه واحداً فأقله ( السلام عليك ) والأفضل أن يقول: ( السلام عليكم ) ليتناوله وملكيه، وأكمل منه أن يزيد ( ورحمة الله ) وأيضاً ( وبركاته )، ولو قال: ( سلام عليكم ) أجزأه.
رد السلام:
يقول الإمام النووي: ( وأما صفة الرد، فالأفضل والأكمل أن يقول: ( وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ) فيأتي بالواو ( التي تسبق عليكم ) فلو حذفها جاز وكان تاركاً للأفضل، ولو اقتصر على ( وعليكم السلام ) أو ( عليكم السلام ) أجزأه، ولو اقتصر على ( عليكم ) لم يجزأه بلا خلاف، ولو قال: ( وعليكم ) بالواو، ففي إجزائه وجهان لأصحابنا ).
مراتب السلام:
السلام ثلاث مراتب: أعلاها وأكملها وأفضلها: ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ثم دون ذلك ( السلام عليكم ورحمة الله ) وأقله ( السلام عليكم ). والمسلم إما أن يأخذ أجراً كاملاً، وإما أن يأخذ دون ذلك، على حسب السلام، ولذلك ورد أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله جالس وأصحابه عنده فقال الداخل: ( السلام عليكم )، فقال : { وعليكم السلام، عشر} ثم بعد ذلك دخل رجل آخر فقال: ( السلام عليكم ورحمة الله )، فقال : { وعليكم السلام ورحمة الله، عشرون } ثم بعد ذلك دخل رجل آخر فقال: ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) فقال رسول الله : { وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثلاثون } [ رواه أبو داود والترمذي]، أي عشر وعشرون وثلاثون حسنة.
من آداب السلام:
1 - السنة إذا تلاقى إثنان في طريق، أن يسلم الراكب على المترجل، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، قال : { يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير } [رواه مسلم].
2 - ينبغي للمسلم أن تكون تحيته للمسلمين السلام، وليس " صباح الخير" أو "مرحبا" أو " ألو". وإنما يبدأ بالسلام ثم يرحب بعد ذلك بما شاء من الترحيب الجائز.
3 - يستحب إذا دخل المسلم بيته أن يسلم فإن البركة تنزل بالسلام قال : { إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك } [رواه الترمذي]. وإن لم يكن فيه أحد ليقل: { السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين } [رواه مسلم].
4 - ينبغي أن يكون التسليم بصوت مسموع لا يزعج المستمع ولا يوقظ النائم، عن المقداد قال: (.. كنا نرفع للنبي نصيبه من اللبن، فيجيء من الليل، فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقظان ) [ رواه مسلم].
5 - استحباب إعادة السلام وتكراره للرجل إذا فارق أخاه ولو لفترة وجيزة، فعن أبي هريرة عن النبي قال: { إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه } [رواه أبو داود].
6 - أجاز كثير من العلماء سلام الرجل على المرأة، والمرأة على الرجل إذا أمنت الفتنة، فتسلم المرأة على محارمها، ويجب أن ترد عليهم السلام، كما يسلم الرجل على محارمه ويجب أن يرد عليهم السلام، وإن كانت المرأة أجنبية فلا بأس من إلقاء السلام عليها، وإن سلمت يرد عليها السلام، إذا أمنت الفتنة، وبدون مصافحة ولا ريبة، ولا خضوع بالقول.
7 - مما شاع بين الناس أن يكون السلام إيماءة وإشارة باليد. فإن كان المسلم بعيداً ونطق مع الإشارة بالسلام فلا بأس ما دام لا يسمعك، لأن الإشارة حينئذ دليل السلام وليست نائبة عنه، وكذلك يقال في الرد.
8 - يستحب للجالس أن يسلم إذا قام من المجلس لقوله : { إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة } [رواه أبو داود].
9 - استحباب المصافحة عند السلام، وبسط اليد لأخيك المسلم قال : { ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا } [ر اوه أبو داود والترمذي].
وعن أنس بن مالك قال: ( كان النبي إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل الذي ينزع.. ) [رواه الترمذيٍ].
10 - احرص على البشاشة وطلاقة الوجه والابتسامة عند السلام حيث يقول : { وتبسمك في وجه أخيك صدقة }، وقوله : { لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق } [رواه مسلم].
11 - استحباب السلام على الصبيان كما كان رسول الله يفعل ذلك، وفي هذا تبسط لهم، وزرع للثقة في نفوسهم، وغرس لتعاليم الإسلام في قلوبهم.
12 - عدم بداءة الكفار بالسلام لقوله : { لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه } [رواه مسلم]. وقال : { إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم } [متفق عليه].
فأحيوا - عباد الله - هذه السنة العظيمة بين المسلمين لتتقارب القلوب وتتآلف الأرواح ويحصل الأجر والمثوبة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.